هنا سأكمل ما بدأته في تدوينة سابقة بعنوان "من الصحوة إلى اليقظة - د.جاسم سلطان -١- المقدمة"
(( تلخيص لأفكار باللون الطبيعي ، الاقتباسات باللون الاحمر، و رايي الشخصي بالازرق ))
السلسلة : سلسلة أدوات القادة (1) - (7)
الكاتب : د.جاسم سلطان
(2)
تمهيد
قام المؤلف بتوضيح 13 مصطلح أو مفهوم : مصطلح المشروع - مصطلح النهضة - مصطلح التنمية - مصطلح الحضارة - السياق التاريخي للنهضة - المصطلحات الأربعة - مواصفات القادة - مستلزمات نجاح المشروع - أطوار حركة النهضة - مشروع اليقظة
المفهوم الأول [مصطلح المشروع ] :
- فبدأ بالمشروع بأنه (( ما سوغه الشارع )) أو (( ما بدأت بعمله )) وإداريًا هو (( أنشطة متتابعة مصممة، للوصول إىل مخرجات محددة، من خلال ميزانية محددة، ومدى زمني محدد )) وأشار إلى أن مشروع النهضة لا ينطبق حرفيًا على التعريف الإداري لعدم إمكانية إيجاد الدقة التامة فيه ولذلك نقارب ونسدد ، فاختلف هنا إلى ما يشير إليه الدكتور طارق السويدان والذي اهتم بنهضة الأمة الإسلامية وطرح لأجلها مشروع سمّاه بمشروع التغيير الحضاري ، فيؤمن الدكتور جاسم بنظرية الغولف والتي تعني بالإهتمام للتخطيط لكل مرحلة عندما يتم الإنتهاء من المرحلة التي قبلها - فلا تنظر إلى الحفرة رقم 3 إلا عندما تبلغ الحفرة رقم 2 - بينما أشار الدكتور طارق إلى خطة مبدئية للمرحلة الاولى مدتها 20 سنة ، توضّح بالتفصيل الواقع والرؤية والخطة والمعوقات ، ولكل طريقته وسبيله
المفهوم الثاني [ مصطلح النهضة ] :
- ثم أشار إلى النهضة ومفهومها لدى الدكتور نور الدين حاطوم في كتابه "تاريخ عضر النهضة الأوروبية" مستعرضًا الحقبة التاريخية لها و رأي الدكتور نورد الدين أن (("النهضة والإصلاح الديني حركتان متوازيتان ....")) ثم يعلق (( هذه الكلمة تشير إلى أن مفهوم النهضة في الفكر الأوروبي لم يكن قطيعة مع الماضي؛ بل هي تواصل مع وإستجلاب الخيرية التي كانت فيه ، ثم انطلاقٌ إلى المستقبل لمحاولة البحث عن فرصه )) وينقل أيضًا بعض صفات الفئة التي قادت عصر النهضة الأوروبية (( ونكمل مع نور الدين حاطوم " .. وإذا درسنا رجال الفكر في هذا العصر ، رأينا عندهم مفهومًا جديدًا للعلم والطبيعة والدين والأخلاق الفردية والاجتماعية. ومما يجدر ذكره أن هؤلاء الأبطال يشعرون بأنهم في عصر حديث .." ))
ثم يعرّف النهضة بستة خصائص وهي (( حركة فكرية عامة، حية منتشرة، تتقدم باستمرار في فضاء القرن، وتطرح الجديد دون قطيعة مع الماضي )) ثم أشار إلى أنها تشمل مجالات العلم والدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع وما إلى ذلك وانا منظار جديد وأنها حركة تتعرض للاضطهاد والتنكيل والمقاومة على أنه ضريبة للإصلاح ، وقد بدأت العديد من التيارات الإسلامية حركتها في هذا الطريق
المفهوم الثالث [مصطلح التنمية ] :
- ثم يعرّف مفهوم التنمية (( إنه مفهوم ضيق يتعلق بالجانب الاقتصادي ومفرداته )) وهو مفهوم جزئي من مفهوم النهضة
المفهوم الرابع [ مصطلح الحضارة ] :
- ثم يعرّف الحضارة بأنها (( كلمة عامة يقصد بها حالة مزدوجة من العطاء المادي في البناء العمراني، والتنمية والاستقرار والإسهام في التراث الإنساني وزيادة نمائه )) ثم يشرح بأنها ليست بمعنى المدنية حيث يلزم الحضارة أن تحتوي على مفهوم أخلاقي ديني
ويشرح أن المجتمعات تسعى في طريقها للحضارة لثلاث جوانب : الاستقرار والتنمية - المنظومة القيمية - الإسهام في الحضارة البشرية
المفهوم الرابع [السياق التاريخي للنهضة ] :
- يطرح المؤلف سؤال في أي سياق تأتي قضية النهضة ؟؟ فيعرض ثلاث محطات أساسية ضمن السياق التاريخي وهي :
1- (( 622 م إنطلاق المشروع الإسلامي وقيام الدولة )) وهي الدولة الاولى التي تحتوي على مكونات الدولة الحديثة، فالتحول من شكل التنظيم إلى شكل الدولة المعاصرة، حيث يقصد بذلك وجود مجتمع له قيادة و دستور و جهاز الشورى و جهازه الدفاعي، وحيث قدم المسلمون نموذجًا جديدًا لمفاهيم الحرية و الحرب و السلم والعدالة و تعايش الاديان والدستور و غيرها
2- (( 1097 م الحملات الصليبية )) حيث استنزفت موارد المسلمين لمدة ثلاثة قرون ثم هوجم على الأطراف من بعد إضعاف القلب وإستنزافه
3- (( 1923 م إسقاط الخلافة )) وما نتج لذلك من أمور أدت إلى هزة كبيرة للعالم الإسلامي، وتلك الأمور هي :
1- إنكشاف حالة التخلف في العالم الإسلامي
2- سقوطه تحت أيدي الهيمنة والاستكبار بما سمّي بالاستعمار
3- وتمزيقه إلى وحدات صغير لا يجمعها جامع
حيث أدت تلك الهزة إلى ولادة ثلاث عناوين كبرى تحرك لها العالم الإسلامي وهي :
1- النهضة و التقدم مقابل التخلف
2- التحرير مقابل الاستعمار والاحتلال
3- الوحدة في مقابل التمزيق
حيث كانت دعوى القوميون إلى "الوحدة والحرية والتقدم" ودعوى الإسلاميون "الوحدة والتحرير والنهضة" ويُظهر ذلك نفس المعاني مع اختلاف المنطلقات (( فكان منطلق الإسلاميون التواصل مع الماضي وإستجلاب الصالح منه، ثم تعزيز الهوية من خلاله، والانطلاق لمواجهة المستقبل بحركة التجديد في جميع المجالات. بينما قررت قطاعات ليست باليسيرة في التيار القومي القطيعة مع الماضي بشكل أو بآخر و اعتباره تراثًا وليس عقيدة، واستبعاده من معادلة السياسة، وإبقائه في زاوية ضيقة وهي مجال الإجتماع ))
المفهوم الخامس [ المصطلحات الأربعة ] :
- أكّد الدكتور بأهمية فهم مصطلحات أربعة تستخدم في تنظيم الخارطة المعرفية و يشير إليها في خطابه ،حيث عرّفها واستجلب بعض الأمثلة عليها وهي :
1- مصطلح ماوراء الأيديولوجيا ويقصد بذلك (( مجموع النصوص المرجعية، سواء كانت مقدسة أو غير مقدسة، وبصفتها نصوصًا مرجعية فعادة ما يحتكم إليها في الحديث ))، ففي الفكر الإسلامي المرجعية هي الكتاب والسنة ثم اعمال السلف من الفقهاء والعلماء وغيرهم، وفي التراث الغربي يعتبر جون جاك روسو و هوبز ومونتسكيو وماركس ولينين وغيرهم
2- مصطلح الأيديولوجيا فنقل تعريف أندرو هيود بأنها (( .. عبارة عن أفكار مترابطة بدرجة أو بأخرى، توفر أساسًا لعمل سياسي منظم سواء كان الهدف منه حفظ أو تشذيب أو هدم نظام توزيع القوة القائم ..)) فهي مجموعة أفكار مترابطة تفسر الحاضر في سياق الماضي و تعد بمستقبل أفضل
3- مصطلح البارادايم وعرّفه بأنه (( مجموع المنظور الشامل المنتشر في فترة زمنية معينة، والذي يؤثر على أفكار الناس ويجعلهم ينطلقون منه في الحديث عن الأشياء )) فهو بإختصار الموضة الفكرية القائمة في زمان معين كموضة التطوع محليًا في الماضي القريب، و موضة الحرية الإنسان و المعنى الإنسانية للأمور عالميًا منذ عشرينات القرن العشرين حيث ساعد الأمريكيون بنشر هذه الموضة إن صح التعبير، حيث يشير إلى أنه (( في كثير من الأحيان يغلق آفاق العقل على رؤية أحادية للواقع -منظار ذو لون محدد- تمنع رؤية الحقيقة واضحة ))
4- مصطلح الاستراتيجية فقد أشار إليها بأنه (( دراسة لعدد من الأشياء في واقع معين في مكان معين )) وحدد هذه الأشياء حيث حاولت إختصارها برسمة -فلّة P:- :
حيث أنه يجب دراسة الآتي :
1- الذات (الرجل الأحمر)
2- الطرف الآخر المواجه (الرجل الأزرق)
3- الأرض أو المجال الذي يتم الصراع فيه (القاعدة البنية)
4- الظروف المحيطة بالصراع (الهالة -أو ما يفترض أن تكون هالة- بنفسجية)
5- تحديد الوسائل والبدائل التي يمكن بها تحقيق النصر (الأسهم عامة)
6- المفاضلة بين البدائل واختيار الأمثل للوصول إلى الهدف في ظل المعرفة الشاملة بالخمسة الأشياء المذكورة (حيث الأفضل هو السهم الأسود)
ولكني أظن أن المقصود هو المعرفة الكافية بدل الشاملة لاستحالة الإحاطة بجميع ملابسات الحدث وما حوله للإقبال على خطة أو حتى خطوة
فالاستراتيجية تأتي لتوضّح للرؤية فتجعل الموضوع دقيقًا متعلقًا بمكان وزمان وظرف محدد
ثم يأتي تقسيم خطوات الخطة الاستراتيجية بخطط تنفيذية تنقل الرؤية إلى واقع الحياة العملية
وتطرق الدكتور لتوضيح الامور لمن يقول "حسبنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم" ، حيث أشار إلى أن في القرآن الكريم علمين وهما : علم في الكتاب ، وعلم أشار إليه الكتاب حيث قال (( إن كتاب الله عز وجل فصّل في العبادات وفيما هو من شأن الدين المحض ولكنه عندما تعامل مع الخبرة الإنسانية قال : ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43] )) فالقرآن الكريم قد أشار إلى العبادات والشرائع والمبادئ التي يسير عليها الإنسان، فيجتهد بعقله وبدراسته لخبرات البشر والعلماء في تطبيق هذه المبادئ وآلياتها في ظروف عصره
المفهوم السادس [ مواصفات القادة ] :
- ذكر الدكتور أهم ثلاث مواصفات للقائد في نظره وهي :
1- الرؤية وهي تصور عما ينبغي أن يكون، مبني على المفاهيم الأربعة المذكورة التي تقو إلى تصور واضح للمستقبل، وما يمكن أن يتحقق في ظل معرفة الإمكانيات والممكنات
2- الإلتزام فلا تعمل الرؤية في فراغ بل تحتاج إلى تسخير الأوقات والجهود لتتحقق
3- المهارات القيادية والمهارات الإدارية التي تمكنه من إستقطاب الناس وادارتهم وحثهم وتوجيههم نحو الهدف
المفهوم السابع [ مستلزمات المشروع ] :
- ذكر الدكتور أربعة مستلزمات نجاح المشروع وهي :
1- الإحاطة بالمبدأ (( وجود تصور شامل، وخارطة كاملة في ذهن العامل في مجال النهضة لمفهومها ومجالاتها )) والإيمان به (( تصديق جازم بالفكرة وصلاحيتها وقابلية تحقيقها )) والتقدير له (( بمقارنة الفكرة بغيرها والإيمان بعلومها وسموها ))
2- معرفة المسار والخطوط العريضة التي تتحرك فيها عملية النهضة ، فمعرفة قوانينها وما يحكمها من سنن
3- التطوير المستمر ويستدل على ذلك بقوله تعالى (( ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾ [الملك: 2] )) ويعلّق (( فإن كان عمل فرد ما حسنً اليوم أو الأحسن اليوم، فيجب أن يأتي فرد آخر بأحسن منه ))
4- توسيع دائرة الشورى والمناصحة فبما أن المشروع الإسلامي يقصد به -من اسمه- المسلمين، فإنه لا يمكن إلا أن تقوم به الأمة مجتمعة بجهودها وجماعاتها ومنظماتها وحكوماتها وأحزابها وأفرادها، فيشمل جميع المعنيين بأمر النهضة دون تضييق
ثم أتى بالخلاصة من سورة العصر ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
فهذا هو منهج تجنب الخسران :
1- الإعتقاد الجازم بالمشروع الإسلامي
2- إختيار أنجح الأعمال للفكرة والمشروع
3- الشورى الكاملة من تواصي بالحق عن طريق تبادل الآراء والأفكار مع جميع العاملين في المشروع
4- الصبر على العمل الشاق المكروه هو بحد ذاته ركيزة من ركائز المشروع
المفهوم الثامن [ أطوار حركة النهضة ] :
- تحدث الدكتور عن أطوار حركة النهضة فهي :
1- الصحوة ويقصد بها وصف للمرحلة الأولى في البعث الحضاري
فالصحوة هي تيار عاطفي ضخم قليل الخبرة ، ضحل المعرفة بتفصيلات واقعه
فهي كمن قام من نومه في وسط ظلام يتخبط بما يحيط به فتزيده كل ضربة يقظة ووعيًا أو ولادة جنين يصيح ويضرب يمنة ويسرة تتفتح عيناه بعد مرور الوقت ليواكب ويتكيف مع محيطه ويتعرف عليه أكثر
إيجابيات : وعي بالذات والهوية ، سلبيات : فقدان أشكالها التنفيذية للرشد الكامل
فهي بشارة لأنها في النهاية ولادة
2- اليقظة و هي حالة ينقشع فيها بقايا لخمار لعقلي ، لا تتجلى ثمارتها إلا في مرحلة النهضة
إيجابيات : الرشد والوعي والعمل المخطط المدروس في ظل رؤية تجمع الجهود العملية التي كانت تبدو مختلفة في مرحلة الصحوة
سلبيات : لا تنتج ثمارها في وقتها
فهي مرحلة تجمع (أولي الأيدي) من الصحوة بـ(أولي الأبصار) ، فتبدأ العقول بالتفكير في كل مسلمات المرحلة السابقة وطرق عملها
3- النهضة هي حالة ينظم عالم الأفكار ويستيقظ عالم المشاعر ويندفع الإنسان متحررا من قيود الخوف ليمارس دوره في جميع المجالات وتعطي للوقت قيمته في حياة الأمة ، فهي حالة تؤثر على أفكار المجتمع وتوجهاته فينعكس أثرها في كل مجالات الحياة وعلومها
إيجابيات : إستشعار الإنسان لذة العمل والاكتشاف والقوة ، تقدر التفوق والإبداع ، فيصوغ شلال الصحوة كل مجالات الحياة صياغة جديدة واعية ، كما (( يعم نور البحث والنظر وتولد الإبداعات التي تؤسس لنشوء عالم الأشياء الذي يزود الحق بالقوة فيسيران معًا ))
سلبيات : لا يزال أغلب الأثر في عالم الأفكار
4- الحضارة وهي حالة من (( بناء النموذج المنشود في عالم الواقع متمثلًا في نموذج فكري متقدم وعالم علاقات متقدم وعالم من الإنتاج المادي الصناعي والمعماري والفني المتقدم ))
المفهوم التاسع [ مشروع اليقظة ] :
- ينتقل الدكتور للمطلوب منا حاليًا - مشروع اليقظة - حيث يشير إلى :
1- أن (( الحاجة الآن ملحة لاستثمار الطاقات المباركة ضمن رؤية استراتيجية ))
2- أن هدف المرحلة أنها تنقل الأمة من طور الصحوة العاطفي إلى مرحلة اليقظة الراشدة والعاقلة
3- أن كل جهد نافع لأي تيار أو حزب أو مؤسسة أو حكومة أو أفراد مستقلين يعتبر ضمن العاملون في المشروع ومن ضمنه
4- ان إحتياجات مرحلة اليقظة هي :
أ- التحضير الفكري و بعث الأمل و إجابة التساؤلات والشكوك و توضيح رؤية ووضع إستراتيجية ثم ترجمتها إلى خطط تنفيذية
ب- إيصال المشروع للنخب الحاكمة بأحسن الوسائل والإقناع بالدخول في التنافس البشري حول الأولوية
ج- إيجاد مشاريع العمل المشتركة بين كل تيارات الأمة
5- أن سياسات مرحلة اليقظة هي :
أ- البعد عن الارتجال او الاكتفاء بإثارة العواطف فقط والإعتماد في الحركة على أدق قواعد البحث العلمي
ب- الإنطلاق من القواسم المشتركة للعاملين من أجل النهضة
ج- عدم رفع أي لافتة حزبية أو مذهبية معينة
د- عدم إقصاء أي جهد نافع يصب في نهضة الأمة
6- أن هدف مشروع سلسلة أدوات القادة هو (( تنظيم الخارطة المعرفية وإجتثاث الأفكار القاتلة التي تعيق تيار الصحوة و التي تحبسه رهينا لرؤى تجاوزها الزمن ))
عذرًا على الإطالة :] ... يتبع