يعد فصل المنطلقات الذاتية في البحث العلمي أحد أهم أساسيات سبيل الوصول إلى المعلومة الموضوعية ، والتي من خلاله تم بناء شكل المجتمع المدني الحديث كما أظنه
كان ذلك في البداية ...
وبسببه أعطيت ممكنات الإنسان حريتها في الإنطلاق والإبداع ، فتفجرت الطاقات الإنسانية في العلوم الطبيعية ، ومن خلال تلك العلوم فقد سُمِح للإنسان بإتقان محسّنات الحياة من تنقل وإتصال و أدوات ،بمعنى أن الإنسان قد قام
بإتقان عالم الوسائل في عالم أشيائه ...
فاستمر الإنسان في تفجير طاقاته حتى غدت فعاليته في البحث جزءًا من يومه وليلته ، فدخولها في سلّم أولوياته من خلال كونها منطلق فكرته من خلال فكرة البحث العلمي فقد أدى ذلك
لاكتساب الطرق العملية كعادات ...
ومع تكدّس الوسائل والأدوات تم بتزامن تأخر بقدر كبير لمناقشة موضوعية وجود الإنسان مقارنةً بالعلوم الموضوعية للأشياء من حول الإنسان ، فوجد المرؤ نفسه متعدد الوسائل لهدف غامض أو معدوم ، فوضع أول ما قابله كجدوى لموضوعية وجوده وذلك هو الإستمتاع ، فغدت
المتعة كمعيار للجدوى ...
استمر العيش لأجل المتعة هدفًا مضطردًا في بشر المدنية الحديثة قوية الوسائل ضحلت الأهداف ، فطغت نزعة الإستمتاع في قيادة الفرد -مع وجود عفوية عالية باقية لديه- حتى أن إتخاذ القرارت على المستوى الشخصي قد غدى مترتبًا على المقدار المتوقع للإستمتاع من وراء كل خيار مالم يتعارض مع العادات العملية ، وبذلك طغت
نزعة المشاعر كمرشد شخصي ...
بهذه المعايير المعاشة في مجتمع كهذا ، توصل بعض الأوفياء بأن العيش لخدمة ما اتضح لهم كالمبدأ الأوّلي من مبادئ الحالة الأفضل -وهي ذاك الشكل للمجتمع المدني- وهو مبدأ البحث العلمي هو العمل الأنبل والأخيَر ، فاتّبعوا طرق البحث العلمي في إبعاد المنطلقات الذاتية والمشاعر من حياتهم وبذلك أصبح
الطيِّبينَ بلا مشاعر بسبب طيبتهم ...
وفي هكذا وضع ، تم إقصاء مبدأ العطاء كمبدأ "صحيح" كمعيار لإختيار الأنفع ، وغدت نزعة المشاعر هي المعيار للوصول للخيار الأنفع ، ولكنّي لا أنفي وجود المعطائون في صورة المجتمع المدني ، ولكنّي أفسّر عطاءهم بأن حسن بيئتهم التربوية -أو عوامل أخرى- جعلت
إرضاء الذات يكمن في العطاء ...
وبسبب عدم توفر هذه الصفة لدى الجميع فإن محصّلة العطاء الناتجة من المجتمع ككل تعتبر قليلة بقدر الإمكانيات المختزنة عند هذا الشكل من العملي من أشكال المجتمع ، فأمكن بوضوح - ولن أتطرق هنا للأثر الإجتماعي السلبي للنزعة الإستمتاعية -
قياس قلّة محصّلة الفائدة المستخلصة مقارنة بالكامنة ...
ولكن يجب الإنتباه أني لا أقارن هنا بين شكل هذا المجتمع وباقي أشكال مجتمعات العالم -وخصوصًا مجتمعنا- فهو أفضل بكثير كوضع إنساني من بقية أشكال المجتمعات - وأقصد في الدنيا ليس في مصيره الأخروي- ، أُرجع ذلك لوجود إمكانية إرتفاع متفجر لمحصلة الفائدة إن أصلح نقطة الهدف فقد إجتاز مشكلة العادات ، والتي يأخذ إكتسابها الكثير من الوقت أو عزيمة جبّارة ، مع عدم دخوله في متاهات أخرى -نسبيًا- تعقد وضعيّة فكره المجتمعي لإنطلاقه من أمور عقلية
فأبقى على بعض من العفوية الإنسانية ...
في النهاية أظن أن ما يستطيع أن يجمع بين الفعالية العملية والأهم من ذلك الهدف الموضوعي من وجود الإنسان وهو مساعدة أخيه الإنسان والعطاء بدون هدف إرضاء الذات هو الإيمان بوجود الخالق الأعلى الحكيم العادل الغير محدود، من ليس كمثله شيء، هكذا يبدو الحث على العطاء وإنهاء"العطاء إرضاءً للذات" نتيجة
لما أظنه السبب البديل الأصلح للإنسان وهو رغبته بالتقرب للمطلق ...
وبدون ذلك لن يبقى وضع "آخر ما توصلت إليه البشرية" من أشكال المجتمع -وهو المدني حاليًا- كما هو إنما ستزداد فيه النزعة الإستمتاعية -ولعدم جدواها فعلًا في ملئ الفراغ التي تحاول ملؤه فإنها ستظل تحاول لضياعها عن البديل الأنفع حقًا- ، وأما عندما تدخل البشرية في ما يمحو عنها عفويتها من مشكلات فكرية تترسب فإنها ستنحط لما دون مستواها الحالي وهذا ما أظن المآل إذا استمرت فكرة
البشر بلا إله ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق